إن الهجرة تحمل فى أفيائها ذكرى أول يوم أعز الله فيه المسلمين على الأرض وأعلنوا كلمة التوحيد خفاقة عالية فى ربوع العالمين
فهى رمز قيام الدولة الإسلامية ثم من بعدها أستاذية العالم لقرون طويلة قبل أن يخلف من بعد هذا السلف الصالح خلف اتبعوا الشهوات فضاعت منهم الأمجاد
ومضى الجيل تلو الجيل يتجرع كأس الذل والهوان عندما تفككت الأمة الإسلامية أمما شتى حتى وصلنا إلى الحال الذى نحن فيه الآن
فعاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا وهان علينا التفريط فى ديننا وعزنا ومقدساتنا فرخصت دماؤنا حتى على أنفسنا فبتنا نرى مسلما يردد الشهادتين أمام اعيننا وهو يلفظ أنفاسه مقتولا بأيدى أعدائنا فلا يحرك ذلك فى ضمائرنا واجب النصرة او الثأر
ولكن دعونا الآن نتلمس خطى هذا السلف الصالح وخاصة المرأة المسلمة ونتعرف عليها وكيف سطرت وسطروا بدمائهم هذا التاريخ العظيم والمشرف وهذا المجد التليد وكيف ساهموا جميعا فى بناء هذا الصرح العظيم
لعلنا يوما نقتفى الأثر
فلنتعرف أولا على معنى الهجرة كما عرفها العلماء
الهجرة : هى قطع العلائق المادية والوشائج النفسية عن المنشأ والبعد عنه مسافة كبيرة على الأرض وفى النفس بنية عدم العودة على الإطلاق لا بالجسد ولا بالقلب
إذاَ فالهجرة تحتاج إلى
معاناة شديدة لترك المألوف الوطن ـالأهل ـ التقاليد
تضحيات كثيرة بالمال والنفس وكل غال اذا وضح الهدف وسما
مجاهدة شديدة للإستمرار فيها
لنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام أسوة حسنة فلننظر إلى حجم التضحيات التى قدموها وشعارهم فيها كل خسارة دنيوية هينة فى مقابل الآخرة إذ ليس هناك مكسب دنيوى يقابل اقل مكسب أخروى
فكلنا يذكر كيف قال صلى الله عليه وسلم عند خروجه مهاجرا (والله انك أى مكة لأحب الأرض إلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت) ولكنه لم يعد اليها بعد الفتح وإنما عاد الى المدينة وعاش فيها حتى دفن هناك كما نعلم
وهاهو سيدنا بلال بن رباح الذى أنشد فى حب مكة ابياتا هاجت معها مشاعر الصحابة فأمره صلى الله عليه وسلم أن دع القلوب تقر وهاهو بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم لا يعود إلى مكة وإنما إلى الشام لينشر دين الله هناك فيموت ويدفن هناك شأن الكثيرين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفى السيرة نروى حجم التضحيات التى قدمها الصديق أبو بكر وحده
مادية كل ماله ودابتين علفهما للهجرة مع صاحبه صلى الله عليه وسلم
بشرية أبناؤه عبد الله وأسماء ومولاه راعى الغنم
نفسه حيث كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مهدرا الدم حتى رصدت لمن يأتى بهما حيين أو ميتين جائزة ضخمة
ومن منا لا يغبط سيدنا على لشجاعته وهو ينام قرير العين هادئ البال فى فراش من أحيط به ليقتلوه حتى يصبح فيصعق القوم عندما يكتشفون الحيلة ولولا قدر الله بعمر أطول لما كان هناك رد فعل لهذا سوى إغماد سيوفهم المشرعة فى صدره حنقا وغيظا على الأقل
ولكننا معشر الأخوات لنا أن نفخر بأمهات لنا ضربن أروع الأمثال فى هذا الحدث وإليكن الأمثلة
قبيل الهجرة
كانت هناك هجرتان للحبشة كانت المرأة المسلمة فيها شريكة للرجل فى التضحية حيث تخلت عن أعراض حياتها وأهلها وبلدها فى سبيل هذا الدين ومضت إلى دار الغربة فى بلاد نائية ..غربة الجنس واللون والقوم وذلك كله فى سبيل ما آمنت به
فهاهى السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجها سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه وعن الصحب الكريم أجمعين وقد قال فيهما النبى صلى الله عليه وسلم أ نهما أول بيت هاجر فى سبيل الله بعد إبراهيم و لوط عليهما السلام وكان سيدنا عثمان أمير المجموعة المكونة من اثنى عشر رجلا وأربع نسوة وذلك فى الهجرة الأولى إلى الحبشة
وفى الهجرة الثانية للحبشة كنت السيدة أسماء بنت عميس وزوجها سيدنا جعفر بن أبى طالب أمير ثلاثة وثمانون رجلا وثمانية عشر امرأة وهى التى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهم هجرة ولكم هجرتان ) عندما شكت إليه قول سيدنا عمر لها بأنه قد فاتهم أجر الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قدموا بعدها الى المدينه فى العام السابع للهجرة بعد فتح خيبر
وهنا يذكر موقف السيدة الفاضلة أم حبيبة هند بنت ابى سفيان الذى كان وقتها أحد المعاندين لدعوة الاسلام ولقد هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش تاركة سلطان الأب والقبيلة إلى الغربة والوحدة والوحشة ولكن تنصر هذا الزوج بعد هجرتهما الى الحبشة ثم لم يلبث أن هلك بعد ذلك هناك فما كان منها الا ان تمسكت بدينها وثبتت على الإسلام وحدها بلا أهل أو زوج حتى آوت إلى كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى طلبها للزواج عندما علم بحالها وزوجها النجاشى له صلى الله عليه وسلم غيابيا وظلت فى الغربة حتى عادت مع سيدنا جعفر الى المدينة بعد فتح خيبر فى السنة السابعة للهجرة فكم من الوقت مضى وهى وحيدة غريبة لا تفرط فى دينها ولا تبيعه بكل متاع الدنيا
فى التمهيد للهجرة
فى بيعة العقبة الثانية شاركت المرأة ممثلة فى السيدتين أم عمارة نسيبة بنت كعب من بنى مازن بن النجار وأم منيع أسماء بنت عمرو من بنى سلمة فبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال على
السمع والطاعة فى المنشط والمكره اى فى النشاط والكسل
النفقة فى العسر واليسر
الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
ان يقوموا فى الله لا تأخذهم فى الله لومة لائم
أن ينتصروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويمنعوه( اى يحموه )مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبنائهم
ولهم الجنة
وعندما تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أحد لما هو معروف وفت أم عمارة بهذه البيعة حتى قال عنها : ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد الا وأنا اراها تقاتل دونى
ولم يكن لهامن طلب آنذاك الا ان تكون رفيقته فى الجنه فلما سمعت دعائه لها بذلك قالت (ماأبالى ما أصابنى من الدنيا بعد هذا الدعاء ) وهبت تضمد جراح ولدها الذى قطعت يده وتقول له تابع واستمرت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا
فى التنفيذ العملى للهجرة
كلنا يعرف ما صنعت ذات النطاقين فقد لعبت دور ضباط التموين فى العمليات العسكرية اليوم حيث كانت تقطع الصحراء ليلا الى غار ثور لمدة ثلاثة أيام لتزودهم بالزاد رغم ملاحقة الكفار وترصدهم
وواجهت ابو جهل بشجاعة عندما طرق بابها سائلا عن ابيها فحفظت سر المكان حتى انه من حنقه عليها لطمها على وجهها فطار قرطها وهى ثابته كالطود لا ترهبه
كذلك موقفها الفطن مع جدها حتى هدأت ثورته على ابنه الذى تركهم بلا مال أو حماية ولم يكن عمرها يومها الا ثمانية عشر عاما فقط
ولعلنا قرأنا فى السيرة قصة أم سلمة المؤثرة التى منعها قومها من صحبة زوجها فى الهجرة فرارا بدينهما فما كان من أهله الا ان نزعوا منها ولدها ردا على أهلها ففُرق بينها وبين زوجها وولدها فى ساعة واحدة وبقيت تبكى فراقهما سنة كاملة حتى رق لها اهلها فتركوها ترحل لزوجها عند ذلك رد لها اهل زوجها ولدها لتلحق يزوجها فى المدينة فما أقسى ما لا قيتى يا أم سلمة
المسامون اليوم والهجرة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبادة فى الهرج (اى غفلة الناس) كهجرة إلى
ويقول : لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية
ويقول : المهاجر من هجر ما نهى الله عنه
ويوصى السيدة أم أنس فيقول : اهجرى المعاصى وحافظى على الفرائض فإنها الجهاد وأكثرى من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشئ أحب إليه من كثرة ذكره
كى ننال أجر الهجرة اليوم علينا أن نهجر المعاصى بشكل نهائى ونبتعد عنها مسافة كبيرة بالقلب والبدن وننوى ألا نعود وأن نبذل فى سبيل ذلك ونضحى وأن يكون ذلك خالصا لله
واذا كان الله سبحانه وتعالى ساوى بين الهجرة وقتل النفس فى شدتها عندما قال: (ولولا أن كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليلا منهم ) البقرة
فإن الأمر ولا شك صعب ولكن الأجر ولا شك عظيم
ونحن لن نستعيد عزتنا وكرامتنا الا عندما نستعيد أنفسنا وارادتنا
ولن نملك ارادة ونحن اسرى المعاصى والاهواء
لن يحمى الارض والعرض والدين شباب لا يقوى على حماية نفسه من الرزيلة
لن يجاهد ويقاوم من هزمته نزواته وسقطاته
لن ينتصر محارب على عدوه وهو لم ينتصر على نفسه الأمارة بالسوء
لن نتحرك لنصرة المستضعفين ونحن ضعفاء امام الفتن
لن نحمى امننا القومى المهدد الا عندما نحمى عزائمنا من الخور والتخازل
عندها لن نسلم عقولنا لشبهات مغلوطة مضلله تنحرف بحقيقة الموقف بعيدا عن سبيل النجاة الحقيقى
لاننا وقتها لن نحتاج ما نبرربه تأخرنا عن نصرة إخواننا فى العقيدة
ولن يحدث ذلك الا اذا استعدنا ثقافة التضحية من أجل ما نؤمن به والثبات على مبادئنا او ان نهلك دونها
تبدأ بالتضحية بملاذات حرام واحياننا بعض مباح
عندها فقط سيكون نصر الله قريب
هناك 8 تعليقات:
جزاكم الله خيرا
نرجوا منكم نشر بنر اتحاد اطباء العرب على وجه السرعه من مدونتى
وجزاكم الله خيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا على هذه الدروس
تبدأ بالتضحية بملذات حرام وأحيانا بعض مباح.. توقفت مع تلك الجملة كثيرا
فعلا لابد من تضحية فليست المجاهدة فيما تستطيعه نفسى أو مالا أحبه فقط فحتى ما هو محبب أيضا لقوله عزوجل :(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) فمن خطوات وقاية النفس من الشح بذلها لما تحب قبل ما هو زائد وفيه أفلح المهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم
ليتنا نعلم ونعقل لنصنع مجدا أو لنعيد مجدا بمعنى أدق فلعلنا سبب تأخير النصر بتتابع ذنوبنا وتباطؤ توباتنا أو أحيانا انعدامها للأسف
جزاكِ الله خيرا يا خالتو الحبيبة ورزقكِ الله العفو والعافية فى الدنيا والآخرة سلمكِ الله من كل مكروه
لم نَحرم درس الخميس معكي
بارك ربي فيكي و لكي
جزاكم الله خيراً انفاس الصباح .. كلمات جميلة تحمل معان راقية ودروس وعبر ..
تابعونا في بلا وطن ... الحلم الكبير .. عاشوراء ... الهجرة النبوية (1 - 2 )ولازال هناك بقية
جزيت خيرا علي المقال
كل عام وانت بخير
واحشنى كلامك اوى يا خالتو
جزاكِ الله خيرا
حملة جمع التبرعات لغزة
الى كل مدونى الشرقية
ان شاء الله هنتقابل بكرة الاتنين 5/1
الساعة 12 ونص
فى نقابة المهن الطبية بالشرقية - كوبرى العبور
أكتر حاجات محتاجينها دلوقتى
الأدوية
ومحتاجين كمان تبرعات مادية
مستنينكم
بعد صلاة الظهر مباشرة
وان شاء الله هيكون فى ميعاد تانى خلال الاسبوع ده
هنزله على المدونة
إرسال تعليق