فى إحدى المرات القليلة التى كنت أنزل فيها إلى الصيدلية لمساعدة زوجى فى إدارتها ومتابعة سير العمل فيها
وبينما كنا منهمكين فى رص علب الأدوية فى أماكنها على الأرفف وحصر تواريخ الأخرى وتسجيل النواقص وغير ذلك
إذا بشاب صغير برفقة آخر فى مثل عمره يدخلان إلى الصيدلية بخطوات مضطربة ويتلعثم الأول وهو يقول
من فضلك أريد شيئا يجعلنى أتقيئ
وجمت أنا وزوجى وسألناه : ولما ؟! قال : يبدو أنى شربت شيئا ما ضار وأريد أن أتخلص منه
فسألته : ماذا حدث بالضبط وما الشئ الذى شربته؟
قال بقلق : عزمنى واحد من أصحابى فى كافيتريا الكلية على كوب من الشاى وبعد أن أفترقنا بوقت قصير
بدأت أشعر بأعراض غريبة وعندما عدت للكافيتريا لأستفسر من النادل قال لى : إن صاحبك قد وضع لك صراصير
هتفنا أنا وزوجى : ماذا؟! قال : هذا مصطلح يعرفه المدمنون فهو يطلق على مادة يتناولونها فيرون الناس صغارا كالصراصير
وأنا الآن أريدأن أتخلص من هذا الشئ
مادت الأرض تحت قدماى وأخذت أنظر إليه بذهول وقد تخيلت إبنى مكانه
:وشعرت بألم كخنجر يرشق فى قلبى وأسى شديد يكاد يخنقنى وبصوت متهدج قلت له
!كيف تصادق شخص يفعل بك ذلك ؟
تحدث صديقه للمرة الأولى قائلا : إنه صديقه الروح بالروح
(لم يكن مصطلح أنتيم معروف وقتها )
!قلت بلهفة الأم مستنكرة : وهل ما زال صديقك بعد الذى حدث؟
صمت الفتى وأطرق إلى الأرض بأسى ولم يجب
كانت ملامحه بريئة تعكس طيبة وسلامة صدر
!هكذا وثق بصديقه وهكذا كان الثعبان يكيد له
ترى كم مرة فعل به هذا الأمر ؟ وهل تمكن من أن يجعله مدمنا بعد ذلك ؟
* * *
كنت عائدة من زيارة إحدى جاراتى فى الحى وقت العشاء وبجوار منزلى حيث الأنوار خافتة والمكان هادئ
كانت سيارة غريبة تقف ،وعندما إقتربت منها لمحت لفافات التبغ فى أيدى قائدها ورفيقه
شابان صغيران يكبران أولادى بسنوات قليلة،ارتبكا بمجرد أن لاحظا عيناى المتفحصتان
وعلى الفور تحرك بها قائدها وانطلق بعيدا فهناك شئ ما يريدان أن يخفياه عن العيون
* * *
دق جرس الباب ولم أكن بحاجة إلى مزيد من المشاغل والإلتزامات فى ذلك الوقت
إلا أن كلماتها المستنجدة وإعتذارها الخجل عن زيارة مفاجأة إضطرت اليها
جعلانى لا أملك إلا أن أدعوها للدخول ولكنها فاجأتنى أن التى ستدخل صديقة لها
بحاجة للمشورة وغادرتنا لتحتفظ صديقتها بسرية الأمر
كنت أراها للمرة الأولى وكذلك هى
:بوجه حزين وعينين حائرتين بدأت تحكى حتى قالت
:لقد صارحنى بالأمس فقط بعد ثلاث شهور من الخطبة
..أيوه أنا بشرب بانجو .. سيجارة واحدة كل فترة ..ليس هذا إدمان ..
لقد وثق بى واطمئن لى ولا أريد أن أفضحه حتى أمام أهلى ،ماذا أفعل؟
مرة أخرى أتخيل إبنتى وقد كبرت فجأة وتواجه هذه الحيرة
وبقلب أم قلت لها: إذا كان ظلم نفسه فما ذنبك أنت؟
وإذا كنت مستعدة أن تظلمى نفسك فما ذنب مخلوق برئ فى علم الغيب
يدفع ثمن قرارا عاطفيا ربما تتراجعين عنه فى المستقبل،يبدو مما حكيتى ضعف ارادته
!لماذا يجب على أن آكل وجبة محتمل أن تكون مسمومة ومازال لدى الاختيار
ثلاثة شهور كانت كافية لتتساقط حبات اللؤلؤ من عينيها فقد نشأ شئ ما فى القلب
ولكن أليس مداواة ذلك أسهل من سنة أو أكثر؟
* * *
أين أذهب بأولادى ؟
!هل أهاجر إلى المريخ
لماذا الشباب ؟
وكيف إستطاعوا أن يخترقوا تلك الشريحة بهذه القوة والإنتشار؟
من سمح لهم ؟؟؟؟؟... من ورائهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.... من هم ؟؟؟
شكرا عمرو خالد..........
ولكن هل تكفى وحدك مع بضعت شباب لتقف معهم أمام تسنامى الإدمان؟
إنه يتحالف مع البطالة والدعارة وفقدان الهوية والوازع الدينى ليقضى على مستقبل أمة
يجب أن تقوم على أكتاف شباب إغتالته المؤامرة وأسلمه الخونة وتخاذل عن إنقاذه المصلحون